الرجاء الإنتظار قليلآ ...

04 أغسطس 2025 كُتِبَ : قبل 3 أسبوع
كاتب المقال / عميد (م)/ عمر محمد عثمان

News بين الوفاء للمؤسسة وواجب النصح بلا وصاية

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا نهتم بأخبار الشرطة.. مواطنين وضباط شرطة متقاعدين؟
بين الوفاء للمؤسسة وواجب النصح بلا وصاية

يمرّ السودان اليوم بواحدة من أصعب مراحله، حيث أضعفت الحرب كثيرًا من مؤسسات الدولة، وتراجعت الخدمات وتفاقمت الأوضاع الأمنية. وسط هذا المشهد، تظلّ الشرطة واحدة من المؤسسات القليلة التي ما تزال واقفة على قدميها، تمارس مهامها في حفظ النظام ومكافحة الجريمة وحماية حياة الناس وممتلكاتهم. ولهذا، أصبح الاهتمام بأخبارها لافتًا سواء من عامة المواطنين أو من ضباطها المتقاعدين.

الشرطة ليست مجرد جهاز أمني، بل هي مؤسسة خدمية راسخة في تفاصيل حياة كل مواطن، إذ تلازمه منذ ولادته حتى وفاته: تصدر شهادة ميلاده عند قدومه إلى الدنيا، وتوثق شهادة وفاته عند رحيله عنها. ولهذا، فإن أخبارها تمسّ حياة الناس بشكل مباشر، وتشكّل لهم إحساسًا بالأمن والطمأنينة في وقت تتراجع فيه معالم الدولة.

أولًا: اهتمام المواطنين بأخبار الشرطة

يهتم المواطن بأخبار الشرطة لأنه يراها رمزًا لاستمرار الدولة ووجودها الفعلي على الأرض. أي خبر عن انتشار للقوات أو ضبط لجريمة يُشعره بأن هناك من يحميه وسط الفوضى والإحباط.

وفي ظلّ سيل الشائعات، أصبحت بيانات الشرطة مصدرًا يعتمد عليه كثيرون لمعرفة الحقيقة. يضاف إلى ذلك أن الشرطة ليست جهازًا أمنيًا فقط، بل هي مؤسسة خدمية تقدّم للمجتمع خدمات أساسية مثل الجوازات، السجل المدني، المرور، والدفاع المدني،..... الخ.

ولو جرى تقييم علمي صارم لأداء المؤسسات خلال الحرب، لكانت الشرطة في صدارة الجهات التي استرجعت خدماتها وقدّمت للمواطنين ما يعينهم على استعادة جزء من حياتهم الطبيعية. لذلك، فإن أي خبر عن فتح مركز خدمة للشرطة يُقابل باهتمام وارتياح كبيرين لأنه يشي بعودة الحياة إلى طبيعتها.

ثانيًا: اهتمام ضباط الشرطة المتقاعدين

يختلف اهتمام المتقاعدين بطبيعته، فقد أفنوا أعمارهم في هذه المؤسسة وما تزال أخبارها تعني لهم الكثير. كل إنجاز أو تقصير يلمس شيئًا من تاريخهم الشخصي وذكرياتهم في ميادين العمل.

ولاؤهم وانتماؤهم وخبرتهم المتراكمة تجعلهم حريصين على تقديم النصح والإرشاد لمن هم في الخدمة الآن، غير أن هذا الحرص قد ينقلب إلى وصاية إذا لم يُقدَّم في إطار الاحترام والثقة في قدرات الجيل العامل اليوم.

المتقاعد، مهما بلغت خبرته، يجب أن يدرك أن الظروف تغيّرت، وأن الشرطي العامل يواجه واقعًا جديدًا ويعيش تفاصيل الميدان بشكل يومي، ما يمنحه رؤية أوضح لبعض القرارات والإجراءات. من هنا، فإن النصح واجب ومحمود، لكن الوصاية والتدخل في القرار أمرٌ منفّر قد يضر أكثر مما ينفع.

ولا ننسى أن ضباط الشرطة المتقاعدين هم في نهاية المطاف مواطنون، وبالتالي فإن الحد الأدنى من اهتمامهم بأخبار الشرطة هو ذاته اهتمام أي مواطن بها، إلا أن ارتباطهم العميق بالمؤسسة وخبرتهم الطويلة يجعلان علاقتهم بأخبارها ذات طابع وجداني ومهني خاص.

خلاصة القول

إن اهتمام المواطنين بأخبار الشرطة يعكس إحساسهم بأهمية هذه المؤسسة في حياتهم وأمنهم اليومي، فيما يعكس اهتمام المتقاعدين وفاءً وانتماءً لمكان شكّل جزءًا كبيرًا من حياتهم.

غير أن هذا الاهتمام ليس واجبًا مفروضًا، بل هو في حكم المندوب؛ يحمد فاعله ولا يُلام تاركه. فالشرطة اليوم، وهي تواجه تحديات الحرب بكل ما فيها من قسوة، تحتاج إلى الدعم والمساندة، لا إلى جلد الذات أو المقارنات المثبطة.

بقاء الشرطة قوية وفاعلة يعني بقاء الدولة نفسها، فهي رفيق المواطن من المهد إلى اللحد، وصمام الأمان لمستقبل السودان.

" قم بمشاركة المقال علي كل من "
عودة