الرجاء الإنتظار قليلآ ...

28 أبريل 2025 كُتِبَ : قبل 2 أسبوع
كاتب المقال / فريق شرطة/ د. هاشم علي عبدالرحيم

News بالحبر السائل - جامعة الرباط الوطنى ... صناعة الأمل في مواسم الخراب

بالحبر السائل

جامعة الرباط الوطنى

صناعة الامل في مواسم الخراب

الفيديوهات التي صورت مؤخرًا بعد تحرير الخرطوم من دنس التمرد الغاشم البغيض لمباني جامعة الرباط الوطني، بضاحية البرارى، أظهر  خرابًا ودمارًا هائلين، طال المكاتب الادارية (مكتب الرئيس والنائب والإدارة التنفيذية والعمادة والشئون الإدارية والمالية) وكل الكليات التي يضمها المقر الرئيس للجامعة والمقرات الأخرى بالعاصمة (الطب وطب الأسنان والأشعة والطب النووى  والصيدلة والمختبرات والتمريض وعلوم  الحاسوب  والمكتبة المركزية والهندسه والاقتصاد) والكليات النظرية الأخرى، بما فيها (صاحبة الوجعة) كلية الكوارث وعلوم البيئة. الدمار والخراب والاتلاف لم يقتصر علي  الأثاث الذي استخدم جلُّه او كله وقودًا لمطابخ الأوباش البدائية المنتشرة في الأرجاء ولكنه شمل أجهزةَ المعامل والمختبرات والقاعات عالية الكلفة، وكل الحواسيب وحواضنها ولوازمها، وامتد الدمار ليشملَ حتى الأجهزة والمحاليل الطبية والمعملية، التي من بينها أجهزة ومعدات ومحاليل معمل المهارات الطبية  ب (كونتينراته) باهظة الكلفة وطوابقه الخمس والذي يعد من أكبر الطفرات التي حدثت في السودان  ويتدرب فيه كل طلاب الطب وكل العاملين بالحقل الطبي. ولهذا فإنَّ اللجان، التي شُكِّلت مؤخرًا لتفقد وحصر وتأمين الجامعة تزامنا مع مصفوفة العودة الشرطية الملزمة التي عادت معها كل قوات الشرطة لمواقعها بالعاصمة، هذه اللجان لم تجد أمامها الا خرابًا ودمارًا طال كل لوجستيات الجامعة وأشياءها التي أُنفق في شرائها المليارات، بخطط مرحلية  وميزانيات ضخمة وسنوات طوال من الكد والاجتهاد، إمتدت لأكثر من عشرين عامًا. وبديهى ان إعادة تأهيل الجامعة فى وقت قريب يمكنها من استقبال طلابها، امرٌ ربما الأقرب منه الغول والعنقاء والخل الوفي. ولهذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما مصير طلاب الجامعة الذين نزح بعضُهم إلى مدن الداخل الآمنة ولجأ الكثيرون مع أسرهم، للجوار الإقليمي، وربما أبعد من ذلك. الإجابة عندي- انا كصاحب مصلحة ولى ابن يدرس فيها وتمكن مع كل دفعته من مواصلة الدراسة اسفيريا ومكانيا وعهدي به وبآخوته انهم سيكملون دراستهم حتى يتخرجون دون التعرض لأية ظلال سالبة اكاديمية او زمنية تسببت فيها هذه الحرب الجائرة اللعينه.
الشاهد أن إدارة الجامعة، وجلها من علماء الشرطة الاوفياء المخلصين الشجعان وعلي رأسهم العابد الزاهد البروفسور الفريق اول  العادل عاجب يعقوب رئيس الجامعةوالفريق كمال عبدالمنعم وكيل الجامعة و اللواء الدكتور عامر عثمان عبدالرحمن نائب رئيس الجامعةو جبريل كرشوم وعبدالوهاب حامد و التاج الدهيس وخالد عبدالرحمن (قلتهم كدا خايف اتلخبت في الرتب)  و الأساتذة المدنيين الاستشارين العلماء وفي مقدمتهم البروفسور نادية العطا مسئولة الشئون العلمية والبروفسور علاءالدين عبدالقيوم عميد الأشعة ومدير مركز كسلا حاليًا وآخرين شرطيين ومدنيين لا يتسع المقال لذكرهم جميعا. هذه الإدارة حزمت أمرها باكرًا، وشرعت في البحث عن البدائل التي تمكن طلابَها- الذين تفرقوا أيدي سبأ- من مواصلة تعليمهم عن بعد أو من خلال مراكز للدراسة النظرية والعملية في الداخل والخارج، وهذا ما تم اعتماده للنفاذ من خلال مخرجات الاجتماع الذي عُقد في مايو ثلاثة وعشرين والفين، بعد نشوب الحرب الغاشمة بشهر واحد، لتبدأ المسيرة بواد مدني- حاضرة الجزيرة- التى اتخذ رئيس الجامعة من نادي شرطتها سكنًا ومقرًا لإدارة شئون الجامعة، ولولا تدنيس التمرد لأرض الجزيرة، لافتُتِحت الجامعةُ فيها  مع جهود رئيسها الجبارة التى بذلها هناك في أكبر مراكزها. ومع النزوح من الجزيرة، كان الخيار كسلا- التى لم تبخل هى ولا مدير شرطتها حينها اللواء سفيان عبدالوهاب-  حيث تم افتتاح المركز الهام والخاص باستخراج الشهادات،  وتم بعده توقيع بروتوكول شراكة  مع جامعة كسلا، و أقامت الجامعة مركزًا ضخمًا للإدارة والدراسة مع سكن داخلى بسعة ستمائة سرير لإسكان الطلاب، وبعده بوقت قصير، أنشأت الجامعة سبعةَ مراكز أخرى في بورتسودان و القضارف ودنقلا والأبيض وكوستى والدمازين  وكادوقلي، ورغما عن أنَّ هذه المراكز- كلها- خاسرة وبعضها لا يتجاوز عدد طلابه الثلاثين، إلا انَّ إدارة الجامعة- والتي هى في الأساس جامعة خاصة و نضب معينها مع توقف رسوم تسجيل الطلاب وعوائد اسثثمارات الجامعة- إستعانت على حل معضلة المال بالاستدانة ومساندةودعم  وزير الداخلية، رئيس مجلس الجامعة، ومدير عام الشرطة، نائب رئيس المجلس، علمًا بأنَّ جامعةَ الرباط ربما هى المؤسسة الخاصة الوحيدة التى لم تسرح او توقف مرتبات منسوبيها. كما قامت الجامعة بإنشاء مراكز للدراسة في عددٍ من دولِ الجوار التي لجأ إليها الطلاب مع أسرهم في الرياض السعودية وصلالة العماتية والدوحة القطرية والشارقة الإماراتية وكمبالا اليوغندية والقاهرة المصرية ، التي أقامت فيها الجامعة مركزًا ضخمًا في ساقية مكي، لن يتسع المقال لذكر اشيائه كلها، ويكفى ان نعرف بانه علي بعد خطوات من محطة المترو. ومن الطرائف أن ابني- الذي يدرس اثيريا ويمتحن فى هذا المركز- أعطته أمه مائةً من الجنيهات المصرية تعادل خمسة الف جنيه سودانى مصروفًا  (جاب معاهو الرغيف وهو راجع) الحديث عن هذا المركز الضخم لن تستوعبه هذه المقالة، فهو- بحق- إنجازٌ إعجاز، قام به الأخ نائب رئيس الجامعة، واخوته( بروف نادية ود.عبدالوهاب ود خالد ود.هززان) الذين وفروا بيئةً مثاليةً للدراسة باتفاقاتهم وبروتوكولاتهم وتعاقداتهم، التي تجاوزت المائة مع الجامعات المصرية والمستشفيات والمراكز العلمية والمختبرات عالية المستوى، من حيث الجودة والتميُّز والعالمية. هذا المركز،  ربما هو الأكبر، من حيث عدد الطلاب عطفًا على لجوء أكبر عدد من الأسر السودانية لمصر، وانتقال الكثير من طلاب الجامعات السودانية الأخرى لمواصلة الدراسة بالجامعة، او الالتحاق بها ابتداءً، لقلة الكلفة مع الجودة والانضباط والتميُّز،  ويكفي أن اشيرَ إلى ان الطلاب الذين فقدوا عاءلهم فى الحرب، أو المعوزين بسببها، لم يُحرموا من مواصلة الدراسة، وقد اطلعني الأستاذ الدكتور عبدالوهاب العمرابي مسؤول الجودة والتميُّز-  المتميز اداءً وخلقًا- على عددٍ من الحالات  التى تحملت الجامعةُ كلفةَ دراستها وتدريبها العالية بتوصية من لجنة الحالات المدروسة اجتماعيًا، والتي شكَّلها نائبُ رئيس الجامعة  اللواء د عامر عبدالرحمن الذى ترك وظيفته ومكتبه الوثير في كوفتي ليقضى أكثر من نصف يومه متنقلا بين مركز الجامعة بالجيزة والمراكز والجامعات والكليات والمختبرات التى يدرس ويتدرب فيها أبناءه الطلاب واظنه الرجل الوحيد في العالم الذي يعمل في الغربة براتب لا يصل حتي للخمسون دولارا.
التحية والإعزاز والتقدير لكل القائمين علي أمر هذه الجامعة الفتية، التى وُلدت باسنانها ورفدت الدنيا كلها خلال مسيرتها بالعلماء في مختلف ضروب العلم  و المعرفة وستحتفي وتحتفل مع خريجيهانهاية هذا العام بيوبيلها الفضى وهي تعبر الجسر لعامها الخامس والعشرون ، ويقيني انه، بهذا العزم وهذا المضاء وهؤلاء الرجال العلماء العظماء المخلصين الذين صنعوا من (تركين) الحرب والمعاناة (شرباتًا) والذين شرعوا ومنذ الآن في وضع وإنفاذ خطةَ الإعمار والعودة، ستعودُ جامعةُ الرباط الوطنى منارةً للعلم وبوابةً للحضارة والريادة والجمال ومثالا حيًا لخادمية الشرطة للمجتمع.

ونلتقي

فريق شرطة/ د. هاشم علي عبدالرحيم

" قم بمشاركة المقال علي كل من "
عودة