الرجاء الإنتظار قليلآ ...
ملامح من مَلاحِم ( ٤ - ٥) ... عَيْنٌ على الشرطة في معركةِ الكرامة إيقاعُ الأنامِل
عقيد شرطة: مُرتَضى العالَم
ملامح من مَلاحِم (4 — 5)
عَيْنٌ على الشرطة في معركةِ الكرامة
تستحضرُ الشرطةُ السودانية في هذه الأيّامِ المباركاتِ ذاكرةَ الماضي بجميلِ أمسه ونبيلِ حسّه، وتتنسم عبقَ ذكرياتٍ باقيةٍ خالدةٍ تأبى الزوال، وتستعصي على النسيان، محفورةً في الوجدان، سامقةً بمجدِها، شامخةً بثباتِها ورسوخِها، مستمدةً ذلك من واقع تضحياتٍ ووقائعَ حياةٍ مفعمةٍ بالإيثار، نحتت نقشاً على صخورِ جدران تاريخها المديد وماضيها التليد.
سنواتٌ خلت، حملت بين طياتها أشرفَ دلالاتِ المعاني، وأروعَ قيمِ الإخلاصِ والتفاني في خدمةِ الشعب السوداني، بتوفير أمنه وحمايته، والسهرِ على راحته، وتقديمِ خدماتٍ تلبي طموحاته، بما يضمن له رغدَ العيش، ويحقق رفاهيتَه، ويصون حقوقَه وإنسانيته بإقامة العدل وإحقاقه بين الجميع، عامتهم وخاصتهم، على حدٍّ سواء.
وقد اضطلعت الشرطةُ بهذه المسؤوليات بمهنيةٍ واقعية، وخبراتٍ تراكمية توارثتها الأجيال تباعاً دون انقطاع، جيلاً بعد جيل، عهدًا وميثاقًا على حمل الأمانة وأداء تكاليفها بإتقانٍ ونزاهةٍ وإخلاص، وصدقٍ في التعامل، دون إخلالٍ بمتطلبات الواجب، ولا تبديلٍ لثوابت الأهداف والمبادئ.
فمنذ بزوغ فجرِ الاستقلال المجيد، توهجت شمسُ الشرطة، وأضاء بريقُها، ومضت بحسمٍ وعزمٍ تشقّ طريقها، فكانت في طليعة القوات التي تمت سودنتها، بتولي الفريق شرطة أمين أحمد حسين قيادتها كأول مديرٍ وطني للشرطة السودانية في الرابع من ديسمبر عام 1954م.
ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوارى شمسُ الشرطة الوهاجة عن الأنظار، ولم يأفل كوكبُها في العشيّ والأصال والأسحار.
وتمرُّ علينا هذه الذكرى المجيدة بذات الملامح والسمات، حاملةً شبهَ الماضي ومشيته، بين زمنٍ تكسرت فيه قيودُ الذل والانكسار، وحاضرٍ انتصرت فيه إرادةُ الوطن بإفشال مخططات البغي والاستكبار والاستعمار.
وترتكز هذه الذكرى العطرة على دعائم راسخة، ضاربةٍ في الجذور، تمتد بصفحاتها المشرقة امتدادَ هذا الوطن عبر مساحات التاريخ ومسافات الزمن.
وفي عيد كرامة الوطن دلالاتٌ ومعانٍ سامقة؛ فما تزال الذكرى شاهدةً بالمواقف، ناطقةً بالشواهد، تثبت بحقّ أن الشرطة — على اختلاف مواقعها وتعاقب أزمانها — حملت مسؤولياتها ببذل الغالي والنفيس، إنفاقًا في سبيل بسطِ الأمن، وإشاعةِ الطمأنينة بين الناس، بكل تضحيةٍ وفداء، وبذلٍ وعطاء.
لم تدخر فى سبيل ذلك وسعًا إلا بذلته، ولا طريقًا إلا سلكته، تعلو برايتها كرامةَ الوطن والمواطن، رغم ما أصابها من دمارٍ وخرابٍ يُحيِّر العقولَ في تصور حجمهما، وقد أفقداها كثيرًا من مقومات العمل وضروراته، جرّاء استهداف المليشيا المتمردة الباغية الطاغية لمقارها وقدراتها، ونهب ممتلكاتها ومحتوياتها.
ورغم كل ذلك، تقف الشرطةُ في عيدها الحادي والسبعين صامدةً متماسكةً، ترفرف راياتُها في فضاءات السماء، روتها المهج والدماء، مستلهمةً من ماضيها لحاضرها قيمَ العدلِ والوفاء، مهما عَظُم كيدُ الأعادي، واشتدّ سوادُ الطغيان، وتكاثفت غيومُ الغدر والخيانة.
عِشتِ يا شرطةُ بلادي قائمةً بالعدل، راعيةً للحقوق والمبادئ