الرجاء الإنتظار قليلآ ...
منذ تأسيسها حملت شرطة الدفاع المدني على عاتقها واجبًا إنسانيًا قبل أن يكون وظيفيًا أو مهنياً لإنقاذ الأرواح ، وحماية الممتلكات، ومواجهة الكوارث بكل بسالة عبر تاريخ حافل بالعطاء فلم تغب عن المواقف التي يتطلب فيها الحضور الفوري ، أوالتدخل السريع، والقرار الحاسم . حتى في لحظات الشدة، حينما يُحاصر الإنسان باللهب والدخان، وتضيق الأرض بما رحبت ويتحقق الهلاك ، نجد هناك من يتقدم الصفوف بلا تردد ويقتحم المخاطر دون خوف أو وجل إنها شرطة الدفاع المدني، القوة الصامتة التي لا تعرف حديثاً ولا يعرفها الكلام ، لكنها تفعل الكثير.
فقد كانت حاضرة بقوة وما تزال في حرائق الأسواق ، وفي فيضانات الأودية ، وفي زلازل المدن، وفي انفجارات المصانع وذلك في كل مكان وزمان وفي كل عصر ومصر ، بل كانت دائمًا آخر من يغادر موقع الخطر.
لكن الدور الأبرز والأكثر دلالة ، ظهر جليًا خلال الأحداث الأخيرة التي اجتاحت العاصمة الإدارية بورتسودان ، حينما تحوّلت بعض المسيرات التخريبية إلى كوارث حقيقية، طالت منشآت حيوية ومحطات الوقود وخطوط النفط ، فاجتمعت النار والنفط وتصاعد الدخان منهما ، وارتفعت ألسنة اللهب تحاصر المدينة كما السوار بالمعصم ليل نهار، ولمدة أيام وليالٍ كاملات ، وهنا خاضت شرطة الدفاع المدني أشرس المعارك بصمت وإحترافية وتفاني منقطع النظير ...فكانت معركة ضد نار ملتهبة ، وضد الخوف متزايد ، وضد انهيار الأمل في وقت حرب وإحتراب.
فكانت الملاذ الآمن وطوق النجاة المرتجى رغم محدودية الموارد، وضخامة التحدي، فقد أبلت هذه الشرطة بلاءً حسنًا، وتمكنت – بعون الله ثم بعزيمتها – من السيطرة على الحريق، واحتوائه، وتقليل خسائره. ولم يكن هذا ليحدث لولا كفاءة رجالها، وشجاعتهم، وخبرتهم المتراكمة، إضافة إلى المساعدات التي قدمتها بعض الدول الصديقة، والتي لا تُنكر.
إن ما حدث في بورتسودان ليس إلا شاهداً آخر على أن شرطة الدفاع المدني تعدت أن تكون قوة نظامية عسكرية المنهج والخطى، بل اصبحت هي الخط الأمامي الآخر في حماية الإنسان والحفاظ على حياته ، وآخر الملاذات حين تنهار الخيارات الأخرى.
ولعل ما نحتاجه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو أن نعيد لهذه المؤسسة مكانتها المستحقة وموقعها الريادي ، دعمًا وتدريبًا وتجهيزًا وتحفيزاً ، وأن نُدرج في مناهجنا التعليمية وسلوكنا العام ثقافة الوقاية والاستجابة، وأن نعلّم أبناءنا أن هؤلاء الرجال الذين يخوضون النار بأجسادهم ويقتحمون الصعاب دون منٍّأو أذى، هم أبطال من لحم ودم نذروا أرواحهم خدمة لإنقاذ غيرهم ، يستحقون منا التقدير والوفاء.
وفي النهاية، تبقى شرطة الدفاع المدني صوت الوطن الصادح بالأمل والطأنينة حين يصمت الجميع، ويد الرحمة الممتدة حنواً وعطفاً حين تقسو الظروف، ونبض الأمان في قلب كل خطر متوقع أو كان . فالتحية لجنود الدفاع المدني حيثما كانوا ..فكانوا أبطالاً في ميدان كرامة آخر لا يقل عن ميادين الإقتتال والإحتراب ضد المليشيا المتمردة .. اللهم احفظ السودان وأهله ..